Saturday, July 16, 2011

ثقافة... لست مخطئاً

يقول كونفوشيوس "الرجل الذي ارتكب خطأً ولم يصححه فإنه يرتكب خطأً آخر!"
إذا قرر الشعب العماني (أو العربي عامة) أن يتفرغ ليوم واحد فقط كي يقوم بجولة تفقدية عن أخطاء الشعب عامة وأخطاء المشاريع الحكومية خاصة فإن الذهول هو الشعور الذي سينتاب كل من له أدنى شعور بالمسؤولية تجاه كوكب الأرض والمخلوقات الأخرى سواءً كانوا من بني الإنس أو الجن!
فمن المضحك المبكي أن ترى شركات إنشاء الصرف الصحي، فقط لأنها قامت بإهداء "مكرمة" إنشاء الصرف الصحي للشعب المتواضع؛ أن تُعطى الحرية المطلقة في إعادة هندسة شوارع مسقط وتحويلها إلى ما هو أشبه بشوارع قندهار! ومن الذي يتحمل عواقب حال الشوارع ما بعد الصرف الصحي، من تصليح إطارات السيارات وغيرها إلا المواطن الفقير الذي من الواجب عليه أن يبدي شكره وتقديره للحكومة التي أكرمت عليه بالصرف الصحي! صحيح أن "حالنا أحسن من غيرنا" وهي مقولة يحب أن يقولها العماني كلما سمع من ينتقد أي شئ في الدولة، وأود أن أؤكد أنني أحمد الله رب العالمين أننا نملك الشوراع والمستشفيات والمدارس في بادئ الأمر ولا أنكر أي من هذا؛ ولكن علينا أن نتسم بشئ من الواقعية ونحاول ايجاد حلول لمشاكل زماننا الحاضر كي نتمكن من التطلع لمستقبل أفضل...
ومن المضحك أيضا عندما تتصل بموظف عمانتل وهو غالبا يحمل فكرة مسبقة عن المتصل وذلك؛ أن الزبون هو المخطئ وأن الشركة دائما على صواب، فلا، ولم، ولن تخطئ الشركة أبداَ فهي معصومة عن الخطأ لأنها كانت ومازالت ملكا للحكومة، ولو كانت ملكية جزئية حاليا... فلا وجود لحكومة عربية تخطئ!
وأخيرا وليس آخرا، الذي يثير الدهشة أنك كلما خاطبت "المسؤول" ونبّهته لخطئٍ ارتكبه أحد موظفيه فإن ردة فعله يكون: بالنظر إليك وكأنك شتمته وتعمدت تشويه سمعته وذلك أن أحد موظفيه يخطئ. وإذا كان الخطأ واضحا وكان المسؤول بفضل من الله تعالى متواضعا؛ فإن رده غالبا ما يكون ضمن سياق الآتي:
"هذا ما كلام" و"هذا أول مرة يصير عندنا" و "أنا ما عندي خبر هذا كله يصيرهنا" وهذه كلها أوجه لعدم الاعتراف بالخطأ.
وعدم الاعتراف بالخطأ ـــ والذي يؤدي حسب مفهوم كونفوشيوس إلى ارتكاب خطأ آخر وذلك لأنك إذا لم تعترف بالخطأ فإنك بطبيعة الحال لن تصححه في بادئ الأمرـــ يعود إلى سببين رئيسيين:
أولا: مؤثر خارجي "فقر ثقافتنا في الوطن العربي المؤدي إلى تخويف كل من يفشل ويخطئ"
أجزم أننا بالرغم من ترفنا كدولة نفطية ولكننا للأسف كأفراد وجماعات مازلنا نفتقر القيم والفكر السليم الذي سيأخذنا إلى مقدمة الدول.
خذ مثالا من وقع الخيال لمُزارع في الدول المتحضرة يحاول زراعة فاكهة مستوردة في أرضية بلاده لأول مرة. وبعد عام من الزراعة وسقي شجرة الفاكهة المستوردة، لاحظ أن الشجرة لم تثمر وذلك لأن أرضية بلاده لا تناسب إثمار هذه الفاكهة! ما نظرة المجتمع لهذا المزارع؟ قد ينتقده البعض لوهلة وقد يشجعه البعض لأنه تعلم شيئا جديدا وقد يطلب منه البعض محاولة زراعة فاكهة أخرى أو عمل دراسة لأسباب الفشل كي ينجح في المرة المقبلة. ولكنه في النهاية يبقى مزارعا عُرف عنه حب الاستكشاف والمحاولة ولن يكون فشله سببا لاستمرارية فشله في جميع مراحل حياته، وسيتناسى المجتمع تلك التجربة السلبية.
اضرب نفس هذا المثال في دولنا، وآخر ما سَيُعرف عن هذا المزارع هو فشله في المحاولة بقيام شئ جديد، وشهرته ستنحصر بفشله فمستقبله مظلم لا محالة وهو مقره ومستودعه إلى أن يتوفاه الأجل، وقد يؤدي فشله إلى الإنتهاء به بعد سنين من البطالة طبعا وعقوبةً لفعلته الشنيعة أن يعمل بوَّاباً في وزارة الفنون التشكيلية!
شتّان بين هذا وذاك، الدول المتحضرة تحث الناس على التجربة ومحاولة الأشياء الجديدة، وكل مخطئ يتعلم من خطئه ويستمر في المحاولة. بينما في الدول المتخلفة المخطئ منبوذ اجتماعيا ولا يُحتمل وجوده إذ أنه كلَّف الدولة الكثير من الأموال التي كان يمكن إنفاقها لتزيين مصابيح الإنارة في أيام العيد!
اضرب مثالا آخر ولكن هذه المرة من الواقع، وهو مثال مُستنبط من الدول المتخلفة (أقصد المتحضرة!) شركة فورتسكيو ميتالس، شركة استرالية لتنقيب المعادن. مدير هذه الشركة وصاحب أكبر شريحة من الأسهم هو الاسترالي أندرو فوريست. قبل أن يمتلك زمام هذه الشركة والتي جعلته أغنى رجل في استراليا عام 2007 كان يعمل مديرا لشركة اناكوندا واُجبِرَ أن يستقيل من منصبه بسبب فشله كقائد لإدارة تلك الشركة  وكان على وشك أن يؤدي إلى افلاسها! ولكن بالرغم أنه عمل مديرا لشركة سابقة وفشل فيها إلا أنه اكتسب الخبرات المناسبة كي يحاول مرة أخرى وأثبت نجاحه في المرة الثانية وصار أغنى أغنياء البلد.
ممكن تتخيلوا إذا كان أندرو عمانيا ماذا سيكون مصيـــــــره الآن؟؟؟
لنتمعن قليلا في ما قاله أعظم فيزيائي عرفته البشرية: اينشتاين
 "إذا لم تفشل، فأنت حتماً لم تقم بشئ جديد"
معقولة اينشتاين يؤمن بالفشل وارتكاب الأخطاء؟ وماذا لو كان اينشتاين عمانيــــــــــــا؟
أسئلة أتركها لمخيلة القارئ كي تعينه للإجابة عنها.
ثانيا: المؤثر الداخلي الِكبَر
لن أعمم على هذه الصفة التي ينظر إليها الكل حتى المتكبر أنها خصلة بذيئة؛ وذلك لأن بعض الناس لا يعترفون بالخطأ خوفا من المحسوبية ليس إلا... وهذه الثقافة (أقصد اللامحسوبية، وليس الكِبر) هي التي غرستها الدولة في الناس وخاصة في موظفي الحكومة حيث أن الموظف الصغير الذي ارتكب خطأ قبل 35 سنة ولو كان خطأ بسيطا فإنه مُحاسب عليه والملفات الغابرة ستُستخرج ليس للنظر إلى خلفيات الموضوع فقط إنما لاستنتاج من هو الموظف الذي أخطأ! وقد يكون للمؤثر الخارجي سببا لعدم اعتراف المخطئ بخطئه ومن ثم تصحيحه. ولكن المؤثر الداخلي له دور كبير في انتشار ثقافة عدم الإعتراف بالخطأ أيضا. بالنظر إلى القرآن ستبدو الإجابة واضحة وجلية في قصة آدم وابليس من سورة الأعراف والرابط بين الاعتراف بالخطأ والكبر يبدو واضحا، إذ يقول الله عز وجل:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {11} قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {12}
عندما سُئل ابليس لماذا عصى أمر الله. كان جوابه "أنا خير منه..."
وماذا كان رد الله سبحانه لإبليس في الآية التالية:
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ{13}
إذاً، الكِبر كان أساس المشكلة والسبب الرئيسي في عدم اعترافه بالخطأ وليس العذر الذي قدّمه ابليس عن الطين والنار وأيهما أخير من الآخر!
وبالنظر إلى آدم (عليه السلام) عندما عصى ربه والحوار الذي دار بينه وبين الله سبحانه سيتبين لنا ردة فعل مخالفة تماما وذلك في الآيتين التاليتين من السورة نفسها: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ{22}
وماذا كان رد آدم عليه السلام وزوجه حواء؟ "قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{23}"
اعترفا بالخطأ مباشرة! ولم يحاول آدم عليه السلام أن يبرر خطأه ويلوم الشيطان أو حواء... الخ. بل وبكل تواضع اعترف بالخطأ وطلب الغفران والرحمة، ولم يرتكب خطأً آخر بعدم ابدائه الإرادة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه!
وبما أننا قد لا نملك السيطرة المطلقة للمؤثر الخارجي ألا وهو ثقافة القاء اللوم وتخويف الناس من ارتكاب الخطأ؛ ولكننا على الأقل نملك السيطرة للمؤثر الداخلي ألا وهو الكِبَر لذا علينا أن نبدأ بأنفسنا ومن ثم نؤثِّر على نطاق الفِكر العام ومحو ثقافة تخويف الناس من التجربة ومحاولة الإستكشاف.
بالعودة إلى محور حديثنا، هل ممكن أن تتخيلوا لو كان كونفوشيوس بيننا اليوم وكان من ضمن العمانيين القائمين بالجولة التفقدية لأخطاء مشاريع الحكومة وغيرها، وكيف سيكون حاله عندما يرى الجميع لا يعترفون بالخطأ وبذلك الكل، حسب مفهومه، يرتكب خطئين على الدوام؟
أظنه كان سيصاب بالاحباط ويتوقف عن الفلسفة و التفكّر كي يبحث عن وظيفة في وزارة التراث القومي والثقافة!!
أو ربما بسبب فطنته وذكائه سيؤسس
"مكتب كونفوشيوس الاستشاري"
"اخطأ وأنت مرتاح، فإننا نضمن تصحيح أخطاءك من دون المساس بسمعتك"
ودمتم سالميـــــــــــــــــــــــن

1 comment:

  1. من كثر ما نتستر على الأخطاء الفردية أو المؤسسية نحرم أنفسنا ليس فقط من فرصة التعلم منها بل و من فرصة الابتكار و التجديد.
    We take pride in reaching random international standards without strategically customizing them to our local capacity and need of resources, which create a huge gap to make significant mistakes that are not only affecting the future of our society in the long run but also waste important resources that could have been invested in a more systematized and sustainable development.

    ReplyDelete