Thursday, December 15, 2011

الشعب يريد تغيير النظام، ولكن...


دعني أوضح قبل أن أدخل في مضمون المقال أنني من كبار المنتقدين، خاصة في السياسات الحكومية (مع أنني لا أحب السياسة ولا أفقه بعض مصطلحاتها) والمشاريع العملاقة التي تصاحبها أرقام خيالية وتزيين مصابيح الإنارة في الشوارع العامة ومشاريع الصرف الصحي التي حولت مسقط العامرة إلى مسقط الغابرة وحولت شوارعها إلى محفل مليء بالحفر والمفاجآت...كما أنني أنتقد المبالغ الطائلة التي تستنفذ في بناء مشاريع لا ندري إن كنا سنعيش كي نستدرك عوائدها مثل المبالغ التي كلفت بناء دار الأوبرا بينما الشعب أحوج إلى التدريب والتأهيل والبحث والمعرفة والإنتاج لتوفير فرص عمل حقيقية ليرقى المستوى المعيشي للشعب وترقى الدولة بمنتجاتها.. والكثير غيرها من الانتقادات...
باختصار كاتب هذا المقال كائن انتقـــــــــادي ينظر إلى العالم بنظارة شمسية  "نقليـــــــة"
ولكن بينما أنا في محض أفكاري الانتقادية تذكرت مقولة تقول: "خذوا الحكمة من أفواه الحكماء"، وعزمت فعلا أن آخذ الحكمة من أفواه الحكماء لعلي أجد ضالتي وأفك الشفرة السرية للتغيير الايجابي الذي طالما أردت أن أراه في هذه البقعة النفطية من العالم.. وبالفعل بحثت قليلا عن رأي الحكماء في التغيير وصُدِمت! صُدِمت لأني وجدت أن الكثير من الحكماء قد انتهوا إلى نفس النتيجة...
فها هو ذا سقراط يقول: "دع الذي يريد أن يحرك العالم أن يحرك نفسه أولا"
وهذا غاندي يقول: "ُكُن التغيير الذي تريد أن تراه في العالم"
وها هو تولستوي يسبق غاندي بقوله: "الكل يفكر في تغيير العالم ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه"
وجورج برنارد شو قال: "التقدم مستحيل بدون التغيير، وهؤلاء الذين لا يستطيعون تغيير نمط تفكيرهم، لن يستطيعوا تغيير أي شئ"
يـــــــــــــــاه! وكأنهم اتفقوا جميعا أن الشفرة السرية للتغيير تؤتى من الداخل، ومن ثم تُحدث تأثيرا في الخارج.. قد يميل بعض المنتقدين عن هذا التفكير ويقول ربما أن سقراط استخدم آلة الزمن وانتقل إلى زمن غاندي وتولستوي وجورج برنارد شو وأقنعهم بالحجة الدامغة أن التغيير يأتي من الداخل. وقد يميل الآخرون إلى أن حكماء العصر الحديث درسوا الفلسفة الإغريقية وتأثروا بأفكار سقراط وأمثاله. في كلتا الحالتين فإننا لن نضيع أوقاتنا هدرا في كشف ملابسات ومؤامرات سقراط وأتباعه فهذا ليس هو محور حديثنا. إنما محور حديثنا هو كيف من الممكن لنا أن نستفيد من هذه الحكم والأقوال؟
المشكلة
عندما نمعن النظر إلى حالنا كمجتمع فإننا للأسف ينطبق علينا قول تولستوي، إذ أننا نفكر ونجتهد في تغيير العالم (أو مجتمعنا بالأخص) ولكننا لا نتوقف للحظة كي ننظر إلى أنفسنا، وهل أننا نطبق قول غاندي بأن نكون التغيير الذي لطالما أردنا أن نراه؟
سأطرح هنا بعض المفاهيم التي لطالما انتقدنا غيرنا بها ولكننا للأسف لم نفكر بتغيير ما بأنفسنا...
الوقت
لطالما اشتكينا من اجراءات المعاملات الحكومية وكيف أنهم يتأخرون في انهاء معاملات المواطنين...الخ. وهذا الانتقاد يصدر مني شخصيا ولكن هل فكرنا في يوم من الأيام ماذا سنفعل بوقتنا الذي سنوفره بانهاء المعاملات بسرعة؟ هل لدينا ثقافة الاستفادة من الوقت، أم أننا نضيع أوقاتنا في ما لا يفيد؟ للأسف الشديد نجد بعض الشباب يقضون معظم أوقاتهم في المطاعم لمتابعة مباريات كرة القدم ما بين الدوري الاسباني والانجليزي والايطالي والفرنسي والدوري السعودي واليمني! بمعنى آخر إذا تابع الشخص مباراة واحدة في اليوم فإنه بذلك أضاع ساعة وخمسة وأربعون دقيقة! يعني في السنة (إذا كان بمعدل خمس أيام في الأسبوع) ما يتعدى 400 ساعة ضائعة في مباريات كرة القدم! ذلك ما لا يقل عن شهرين عمل بمعدل ثمان ساعات عمل في اليوم! يعني بالعامية:  "راتب شهريـــــــن"
والأمثلة على هذه كثيرة، كالأوقات الضائعة في المجمعات التجارية ورسائل البلاك بيري (علما بأنني لا أملك جهاز بلاك بيري، ولذلك فإني أملك مطلق الحرية لانتقاد الجهاز!!)، والمقاهي والجلسات وغيرها، وذلك كله من غير غرض أو هدف.. علينا أن نعي أن الوقت هو الشئ الوحيد الذي يُمنح لكل إنسان بالتساوي الى أن تتوفاه المنية، حيث أننا لا ندري متى سينفد ذلك الوقت الذي وهبنا الله إياه. ألا يجب علينا أن نقدر هذه النعمة ونستغلها أفضل استغلال في كل ما هو مفيد الى حين أجلنا؟
ذهبت لانهاء معاملة في الادارة العامة للمرور بالأخص في دائرة فحص المركبات وصدمت عندما دخلت ورأيت المشهد... المكان كان مكتظا بالمراجعين فقررت أن "أضرب لفة" لأحسب عدد المراجعين وما إذا كان أحدهم يستفيد من وقته بقراءة كتاب أو جريدة...الخ، وصدمت أكثر، عندما رأيت أكثر من 200 مراجع (حوالي 80% منهم عمانيين) ولم أجد ولا شخص واحد ممسكا بكتاب كي يستفيد من وقته! تلك 3 ساعات ضائعة على الأقل في الانتظار... قد يعتذر البعض ويقول "ما أحب اقرأ ياخي. تراني أنا والكتاب متزاعلين من أيام الثانوية!" ردي لهذا العذر هو: أن الكثير من الناس لا يحبون القراءة ولكنهم اجتهدوا وألزموا أنفسهم.. وأعرف شخصيا أحدهم وقد قرأ أكثر من 300 كتاب في مجاله مع العلم أنه كان يكره القراءة وظن أن آخر يوم للقراءة كان يوم تخرجه من الثانوية العامة، ولكنه ما لبث أن عاد إلى القراءة كي يتعلم وينجح في مجاله وعوّد نفسه على حب القراءة! ولو كانت القراءة عدوك اللدود، على الأقل حمّل هاتفك النقال يا أخي بمقاطع ومحاضرات دينية أو علمية للاستماع بها في أوقات الفراغ والانتظار بدل التأفف والتشكي من طول الانتظار!
أما إن استمرينا على حالنا وكنا للأسف بأنفسنا لا نقدِّر أوقاتنا ونستثمرها في ما هو مفيد فكيف لنا أن نتوقع من الآخرين أن يقدِّروا أوقاتنا؟
العدل
لطالما طالب الناس بالعدل ولكن أيضا هلا بدأنا بأنفسنا؟
فالوضع جدا مخزي عندما نعامل بعضنا البعض بظلم ابتداءً بالشغالة في المنزل إلى الآخرين في الشارع وذلك بايقاف السيارات في أماكن تحجب الآخرين من المرور وتجاوز الآخرين في أماكن لا يُسمح التجاوز فيها بحجة "أنا مستعجل"، بينما نطالب الحكومة أن تعاملنا بالعدل... بالإضافة إلى ظلمنا لمكان العمل عندما نستخدم سلطتنا لأغراض شخصية سواء كان الموظف وزيرا أو عاملا! تخيل معي عزيزي القارئ أنك تملك مؤسسة صغيرة، فهل ترضى من الموظف الذي عندك أن يستخدم أغراض العمل من طباعة وهاتف وفاكس لأغراض شخصية تتحمل تكلفتها أنت بنفسك كصاحب العمل؟ طبعا لن ترضى بذلك إذ أن التكاليف قد تكون باهضة ولن تستطيع تحملها وقد تؤثر على حساباتك للأرباح.. وبما أن ذلك ينطبق عليك كشخص إذا كنت تمتلك مؤسسة فإن ذلك ينطبق على تعاملك مع مكان عملك سواء كنت في القطاع الخاص أو الحكومي إذ أن كل الذي يستنفذ هو من المال، سواء كان المال العام أو المال الخاص. فكله محاسب وليس لدا أي مسؤول مهما صغرت مسؤولياته أو كبرت، الحق باستخدام هذه الأغراض، وإن كان السبب أن الكل يقوم باستخدام أغراض العمل لأغراض شخصية فإن ذلك ليس مبررا ولا يجعل هذا الفعل صائبا. وقد أفتى من أفتى بحرمة استخدام أغراض العمل لأغراض شخصية، إذ أن البعض عده من السرقة، فهلا راقبنا أنفسنا؟
كما أنه علينا أن نذكر أنفسنا أن مبدأ العدل والإحسان يبدأ بأساس الأخلاق (أو ما يسمى بـ Golden Rule) التي اتفق عليها كونفوشيوس وأفلاطون وبوذا وعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وسلم) وغيرهم من الأنبياء والحكماء ألا وهو "عامل أخاك مثلما تحب أن تُعامل".. إذا أردت الناس أن يعاملوك بعدل فعاملهم بعدل.
فهلا عاملنا عاملة المنزل والجرسون في المطعم وعامل النظافة مثلما نُحِب أن نُعامل؟ بالتقدير والاحترام الذي لطالما طالبنا من رب العمل أن يعاملنا بها؟
وكما أن ما تم ذكره ينطبق على مفهومي الوقت والعدل، فإن المفاهيم الأخرى كالاحترام والتقدير والمساواة والمسؤولية والاخلاص...الخ يجب علينا أن نطبقها على أنفسنا أولا ومن ثم يكون لنا الحق أن نطالب الآخرين بتطبيقها علينا... سواء كأفراد أو جماعات أو مؤسسات.. عندما نصل إلى هذه المرحلة من الوعي أن التغيير يبدأ من الداخل فإننا كأفراد سنرى هذا التطور.. إنما تتطور الدول بفعل القائد ولكن الشعوب دائما وأبدا وجب عليهم أن يكونوا أهلا للتطوير.. فمن السهل جدا انتقاد الآخرين لمشاكلنا الشخصية ولكن النفس تستصعب تقبل الخطأ والاعتراف به وتميل دوما لانتقاد ولوم الآخرين. لذلك لم يكن غريبا أن محمد (صلى الله عليه وسلم) عد جهاد النفس بالجهاد الأكبر.. لأن فك شفرة النفس ومحاسبتها أصعب من محاسبة الآخرين ومحاربة أخطاءهم.
إذا اجتهدنا وطبقنا ما يرنوا إليه الحكماء المذكورين (سقراط وأتباعه) وبالفعل استطعنا أن نحدث تغييرا في الخارج بدءا بأنفسنا فإننا بذلك نكون قد وجدنا ضالتنا وقمنا بالواجب تجاه تطوير بلدنا وتجاه أنفسنا. وإن كانت نظرياتهم فاشلة وهي مجرد أفكار مر عليها الزمن ولا يمكن أن تُطبق في زمن الفيس بوك والتويتر، نكون على الأقل استطعنا أن نحدث تغييرا من الداخل الذي بدوره سيعيننا كأفراد كي نرقى في معاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض وبذلك نكون على الأقل ربحنا نصف المعادلة.
يعني" ربحان وبدون خسارة"
فهلا كنا أهلا للتغيير وبدأنا بأنفسنا؟
انظر الى الأمور التي لطالما أردتها أن تتغير وراجع نفسك ان كنت تقوم بها في حياتك اليومية وفي معاملاتك سواء كانت مع الآخرين (معاملة الآخرين مثلما تحب أن تعامل) أو مع نفسك (تقدير وقتك والعمل بما هو مفيد)، وجاهد نفسك كي تصلح هذه الأمور... عش بوعي واعزم النية أن تراقب نفسك وأفعالك، ولا تُسلِّم نفسك لنفسك بعدم الاعتراف بالخطأ...
ابدأ التغيير من الداخل وسترى النتيجة بإذن الله في الخارج.

ودمتم سالميـــــــــــــــــن