Friday, August 26, 2011

مسؤولية الذات ومسؤولية الآخرين... وأين نحن؟

أود أن ابتدئ بمقولة أعجبتني لهنري دايفيد:
"هناك الآلاف من البشر يقتطعون أغصان الشر بينما أحدهم فقط يقتطع الجذور"،
لإيجاد حلول لمشاكلنا علينا أن نعترف بوجود المشكلة أولا وذلك بتخلينا عن ثقافة لست مخطئا. ومن ثم بعدها نبدأ باقتطاع جذور المشكلة من أساسها ثانيا وألا نكون ضمن الألف الذين وصفهم الأخ هنري بأنهم يقتطعون الأغصان.
قد يتفق معي معظم القراء وقد يختلف معي بعضهم خصوصا المعصومين من الخطأ منهم والذين يعيشون في واقع الخيال الأدبي أن وطننا بأحسن حال وليس هناك أي داعي للتغيير وأنا لا أنكر ذلك حيث أننا بالطبع أفضل حالا من زيمبابوي وكولومبيا! ولكن لا زلنا نفتقر إلى القيم والمبادئ التي ستؤهلنا للتقدم والتطور وعلينا ألا نغض البصر عن هذه السلبيات لو أننا فعلا مخلصين أننا نود التطور والتقدم.
أساس مشكلتنا كمجتمع يعود إلى أسباب كثيرة لعل أهمها هوالسلـــــــــــــــــــوك العام...... والذي سيكون في إطار المسؤولية الذاتية والمسؤولية الاجتماعية في هذا المقال.
لنبدأ على سبيل المثال سلوك عامة الشعب تجاه المتظاهرين السياسيين الذين خرجوا في الشوارع ورفعوا اللافتات بعدة مطالبات (والتي في غالب الأحيان "حقوق" قد اختلط مفهومها ب"مطالب"!)، فبالرغم من تضحية هذه الفئة الصغيرة التي لا تتعدى 1% من المجتمع بحياتهم المهنية، نرى أن غالبية الشعب لا يقف مساندة لهؤلاء المطالبين بحقوق كافة الشعب! وللأسف بل نراهم وقد استُهدِفوا من بقية الشعب بعبارات تندد التظاهر والمطالبة بالحقوق. فترى البعض يلوم المطالبين عندما يتم اعتقالهم بعبارات ضمن سياق "مشكلتهم بصراحة، ما حد قال لهم يطلعوا يتظاهروا" أو "يستاهلوا السجن والضرب"! وهذا اللوم بالذات إنما هو دليل أننا نواجه مشكلة اجتماعية، ألا وهي انعدام المسؤولية الإجتماعية!
ومشكلة انعدام المسؤولية الاجتماعية لدى العرب تجاه السياسيين بالتحديد هو ما وصفه الياباني نوتوهارا في كتابه "العرب من وجهة نظر يابانية" فهذا واقع نعيشه للأسف لا ينبغي علينا أن ننكره وذلك كي نستطيع على الأقل أن نحل المشكلة.
وبسبب انعدام المسؤولية الإجتماعية (تجاه السجناء السياسيين على سبيل المثال) فإن السيناريو غالبا ما يكون كالآتي:
العناصر الفعالة في التظاهرات يتم استهدافهم من قِبل الجهات الأمنية وتتم إحالتهم إلى من  يتمتع بالسلطة لاصدار قرار سجنهم، لإخماد حماسهم المتقد. ونراهم بالفعل وقد أُخمِد حماسهم وتراهم لا يعودون إلى الميادين السياسية. ولكن لماذا نفتقدهم بعد أن يتم اعتقالهم حتى لو كانت فترة احتجازهم فترة وجيزة؟ الإجابة بسيطة وذلك أنهم تيقنوا أن الشعب قد تخلى عنهم بعد اعتقالهم. وأن الشعب لم يكتفي بالتخلي عنهم فقط ولكن تعدى إلى سبّهم وذمّهم كونهم سياسيين طالبوا ببعض الحقوق "لكافة" الشعب! ما لم يتيقنه "السياسي"  قبل اعتقاله هو أنه يعيش في مجتمع يفتقد المسؤولية الإجتماعية، والمجتمع غير المسؤول اجتماعيا لم ولن يساند العناصر الأخرى في المجتمع (حتى لو كانت هذه العناصر هي التي تضحي من أجل مصلحة الجميع)!
وهذا كي نذكر ليس إلا إحدى فوائد مظاهرات ومطالبات عام 2011 
عدد الطلبة المقبولين للبعثات الخارجية والداخلية هذه السنة وصل إلى 28 ألف طالب وطالبة بينما في السنوات الماضية كانت الحكومة تتكفل بحوالي 10 آلاف طالب وطالبة فقط!  قفزة هائلة في عدد المقبولين (180%) والذي تغير بفضل من الله سبحانه ثم بفضل المعتصمين والمتظاهرين التي كانت من ضمن مطالبهم الأساسية التعليم العالي! وأضمن لكل قارئ يقرأ هذا المقال أنه يعرف على الأقل شخص واحد من أقربائه أو جيرانه استفاد من زيادة عدد المقبولين هذه السنة... ذكرت هذا التغيير الإيجابي فقط كي نذكِّر بعضنا بعضا بالتضحية التي قامت بها فئة قليلة وبذلك أفادت شريحة كبيـــــــرة من المجتمع كي يغير بعض الجاحدين فكرهم شيئا قليلا وينظروا إلى هذه الوعكة السياسية بشئ من الإيجابية خاصة إذا كانوا من الذين لم يضحوا ولو بكلمة لمساندة الذين كانوا يبيتون في الشوارع مطالبين بالتعليم العالي وغيرها من المطالب!
بالعودة إلى محور حديثنا، وسبب انعدام المسؤولية الإجتماعية للقلة المضحية في المجتمع علينا أن نرجع إلى أساس المشكلة ألا وهي المسؤولية!
المسؤولية تنقسم إلى عدة مراحل:
1.     مسؤولية الذات
2.     مسؤولية الآخرين في المجتمع من ثم مسؤولية الآخرين في العالم
3.     مسؤولية الحيوانات
4.     مسؤولية البيئة وكوكب الأرض
 ولا يمكن تخطي المرحلة الأولى من المسؤولية إلى المرحلة الثانية إلا عندما يكون السلوك السائد في المجتمع قد تبنى المرحلة الأولى ومن ثم المرحلة الثانية وهكذا. مثال على ذلك مسؤولية البيئة وكوكب الأرض لا يتواجد في مجتمعنا العماني. أقصد بالسلوك السائد وليس مجموعة أفراد تأثروا باختلاطهم مع الغرب ومن ثم اتخذوا مسؤولية حماية البيئة كمسؤولية من مسؤولياتهم. وتوضيحا لهذا المثال إذا حاول أحدنا أن يتكلم عن أهمية عدم استخدام أكياس البلاستيك ومدى ضررها بالبيئة وغيرها فإن مصيره سيكون السخرية من قِبلِ أهله وزملائه. وذلك لأن المجتمع لا يستطيع استيعاب اتخاذ مسؤولية البيئة وجعله السلوك السائد وذلك لأننا لازلنا في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية للأسف الشديد!
الدليل على أننا لا نزال في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية (ألا وهي مرحلة مسؤولية الذات) أننا إلى الآن لا نستطيع تحمُّل تنظيف مخلفاتنا بأنفسنا، والسلوك السائد لا يذم الشخص الذي يرمي بأكياس البلاستيك وزجاجة العصير الفارغة على الأرض بل أن الشخص الذي يقوم بجمع قمامته بنفسه قد يعتبر حالة شاذة عن القاعدة، إن لم يواجه بالسخرية من قِبل زملائه لمشيه 10 أمتار كي يرمي بقمامته في سلة المهملات وترى البعض يعلق على هذا الفعل ب"يالله اوين مسوي عمره نظيف" أو "انزين الهندي مال التنظيف حال مو يدفعوا له راتب"!
والأدلة والأمثلة كثيرة في اللامسؤولية ذكرتها في مقال سابق في هذه المدونة بعنوان اللامسؤولية: أين يكمن الحل...
ولذلك نرى أن السلوك السائد في المجتمع هو عدم اتخاذ مسؤولية الآخرين، إذ أننا لازلنا نعاني ونستصعب اتخاذ مسؤولية أنفسنا، فكيف لنا أن نتخذ مسؤولية الآخرين ومسؤولية الكائنات الأخرى وبالتالي البيئة وكوكب الأرض؟ لا يمكن والمعادلة لا تركب أساساً! إذ أن ذلك مَثَلُهُ كمَثَلِ اطعام المسكين وأنت بنفسك لا تجد ما تأكله! قد يعترض البعض ويقول ولكننا نتخذ مسؤولية الآخرين كمساعدة المحتاجين وغيرها، وردي على كل من يتبنى هذه الأفعال الخيرية أنها وجه من وجوه المسؤولية هو: قيمنا ومبادئنا الإسلامية والثقافية هي المحفز الوحيد لقيامنا بهذه الأعمال الخيرية. فالبعض يقوم بهذه الأعمال ابتغاء مرضاة الله متأثرا بالقيم الإسلامية والبعض الآخر متأثرا بالعادات الثقافية المتأصلة في العرب منذ ما قبل زمن حاتم الطائي، ليس إلا والدليل على ذلك أن قلة هم القائمون بجمع التبرعات وغيرها بينما العامة يتخذون موقف المشاهد أو المتبرع! (قد يزداد عدد المتبرعين في شهر رمضان دون غيره من الشهور وذلك لكسب الأجر متأثرين بالدين الإسلامي ليس إلا).
بينما في الدول الغربية رغم كونهم غير مسلمين وليسوا عربا ولكنهم ينظمون مسيرات سلمية مساندة للفلسطينيين في غزة! وذلك لأنهم قد تخطوا مرحلة المسؤولية الذاتية ومسؤولية الآخرين في مجتمعهم فيبدؤون باتخاذ مسؤولية المنكوبين في الدول الأخرى بالرغم من كونهم أصحاب ديانة وأعراق أخرى. أما نحن فالبرغم أننا نجتهد كي نساعد الصومال وغيرهم من المنكوبين ولله الحمد ولكننا لا نقوم به من باب المسؤولية بالآخرين، إنما من باب فعل الخير بسبب حث ديننا الحنيف لذلك ليس إلا وإلا لماذا لم نسمع بتبرعات ومساعدات للشعب التاهيتي بعد زلزال 2010؟ ولولا ديننا الحنيف أو ثقافتنا العربية التي تحث على الكرم، لكنا من الدول التي لا يُسمع لها همسا في الأعمال الخيرية!
وبسبب تربعنا في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية فلن تجد الشعب يساند المظلوم (وذلك لأن نظرة معظم الشعب أن الظلم مشكلة شخصية وعلى المظلوم أن يحلها بنفسه) و لن تجد الشعب يكترث ما إذا جاء شرطي واعتدى على شخص آخر بغيًا بغير حق، بينما قامت المدن الكبرى في انجلترا في أغسطس 2011 (بالرغم من أنني لا أساند  أعمال الشغب التي قام بها الشعب ومدى تخطيهم للممتلكات العامة والخاصة) ولكنهم قاموا بهذا كله بسبب شخص (سارق) قُتِل من قِبل الشرطة. أما عندنا عندما تقتل الشرطة مواطنا من بني جلدتنا تجد ردة فعل الشعب عامة هو"عدم الاكتراث" وربما القاء اللوم على القتيل بسبب خروجه للتظاهر إلا من رحم ربي! وكأن عقوبة التظاهر القتل! فحياة المواطن عندنا رخيصة ولا تقدر بثمن بينما الغرب يقدرون حياة الإنسان ولو كان سارقا! والشعب في الدول الغربية يتخذ مسؤولية الآخرين، وذلك لأنهم قد تعدوا مرحلة مسؤولية الذات، وأصبحوا يتخذون مسؤولية الحيوانات والنباتات والبيئة! بينما نحن نخطب في مساجدنا أن الله جعل آدم خليفته في الأرض، فأين نحن من هذه الخلافة وهل جال في خاطرنا في يوم من الأيام أن نقلل من تلويث البيئة سواء كان ذلك من رمي القمامة في الأماكن العامة أو عدم اكتراثنا لترك كوكب الأرض أسوا مما كان عليه قبل وصولنا!
أبشّركم أننا كمجتمع سنتطور بإذن الله عندما نغير من سلوكنا ونتيقن أن العيش بمسؤولية هو أحد الحلول الأولية. أما إن عشنا حياتنا اليومية بلا مسؤولية واعتمدنا اعتمادا كليا على الشغالة في المنزل، وعامل النظافة في الشارع، ومالئ البنزين في محطة البنزين، وادعينا أننا نوفر فرص عمل باعتمادنا على الآخرين لخدمتنا فإننا بذلك نعزز العيش بلا مسؤولية والذي بدوره سيبقينا في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية، ألا وهي مرحلة مسؤولية الذات التي سنستصعب تعديها بسلوكنا الحالي. وبذلك فإن الظلم والفساد والفقر سيظل منتشرا ولن يتحرك عامة الشعب لمساندة كل ضحية ومضحي لأننا لازلنا نجاهد تعدي مسؤولية أنفسنا بلا جدوى!
أخيرا وليس آخرا سؤال أطرحه لنفسي ولكل قارئ:
من منا سيظل يقتطع الأغصان مثل ما قال هنري ومن منا سيقوم فعلا باقتطاع جذور المشكلة؟
ودمتم سالميــــــــــــــــن