Sunday, November 25, 2012

الشخص الذي يتجرأ بأن يهدر ساعة واحدة من وقته،،،؟

يقول تشارلز داروين
الشخص الذي يتجرأ بأن يهدر ساعة واحدة من وقته،،، فهو من لم يكتشف قيمة الحياة

قول قوي وصارم ويحمل في مضمونه معنى عميق
الحياة عبارة عن معادلة بسيطة جداً ألا وهي: الحياة تساوي الوقت.. وهو الشئ الوحيد الذي أعطي لكل شخص بالتساوي من غير ظلم أو تفرقة، حيث أن وقتنا ينتهي عندما نفارق هذه الحياة وبما أننا لا نعلم متى سنفارق هذه الحياة لذا فإنها متساوية لدى الكل لحين توافينا المنية.. فكم من شخص وافته المنية وهو في ريعان شبابه ولكنه ترك إرثا لأجيال وقرون وكم من شيبٍ داعب قرن بأكمله بتعميره في الأرض وليس بإعماره لها ولم يترك إرثا لجيل سواء كان ذلك بعلمٍ يُنتفع به أو صدقةٍ جارية تفيد غيره وتكون له رحمة يوم القيامة.. فهذا أبو قاسم الشابي توفي وهو ذو خمسٌ وعشرون ربيعا وترك شعراً تسمع صداه في أرجاء تونس بالنشيد الوطني وتسمع صدى شعره في اليمن وليبيا ومصر وغيرها من دول الربيع العربي. وهذا تشي جيفارا قُتِلَ وهو في التاسع والثلاثين من عمره وأصبح شعارا للثورة للعالم كله.. وهذا ستيف جوبز مات وهو في الخامس والخمسين من عمره واستطاع أن يؤثر على العالم كله بطريقة أو بأخرى بمنتجات شركة آبل سواء كان ذلك في تغيير مسار الهواتف النقالة وغيرها

ويؤسفني أن أرى كيف أننا نتفنن ونبدع في صناعة أكبر علم من سعف النخيل كي نباهي به أمام العالم أننا وطنيون ونحتفل بالعيد الوطني على أجمل وجه... ويؤسفني أيضا أن أرى كيف يُستهلك الوقت (أرجو أن نتذكر قول داروين) والمال والجهد أيضا كي نخيط أكبر علم كي نعلقه على سفح الجبل بمساعدة أجهزة الدولة.. وهل الوطنية تنحصر حول صناعة أو خياطة أكبر علم؟ ماذا سنفيد العالم بصناعة أكبر علم؟ بينما العالم يتوجه نحو اكتشافات جديدة وفيلكس يحطم الأرقام القياسية تجدنا نحن العرب الذي لطالما تتملكنا عقدة النقص ننتقد فيلكس ونرسل الرسائل المضحكة ظاهرا والمبكية باطنا لأنها تعكس ثقافتنا.. بينما تجد البعض وبدأ يسخر من نيوتن وأن فيلكس حطم قوانين نيوتن وأثبت خطأه، مع أنها معلومة خاطئة وفيلكس لم يثبت خطأ أي نظرية من نظريات نيوتن ولكنه على العكس استخدمها كي يخطط لقفزته مذّكراً أن نيوتن توفي في زمن غابر خالٍ من الطائرات وها نحن نفرح لاحتمالية اثبات خطؤه بعد مئات السنين من قِبلِ رجلٍ قفز من على ارتفاع 36 كيلو واخترق سرعة الصوت

وانتقالا بزماننا اليوم، وبينما الأمة تواجه المحن ابتداءً بسوريا مروراً بغزة وفلسطين عبوراً بمصر وباقي الدول العربية، ونحن هاهنا نستهلك المال والوقت والجهد لصناعة أكبر علم.. اللاجئون السوريون تتراوح أعدادهم ما بين 300 إلى 400 ألف ما بين تركيا ولبنان والأردن ويواجهون برد الشتاء وهم في أمس الحاجة إلى من يتبرع لهم ببطانية بقيمة 4 ريالات تقيهم برد الشتاء ونحن نتباهى بخياطة الأعلام... الغزاويين الذين كانوا قبيل أيام فقط يواجهون القصف والحظر والتهميش وها نحن نفكّر ونجتهد بحل معضلة تعليق أكبر علم على سفح جبل

تساؤلات مرت على خاطري قبل سويعة أرجو ألا أكون قد أهدرتها في ما هو مشين عسى أن تكون نقطة بدء للقارئ بأن يكون صاحب رسالة أو قضية نبيلة يكرس بها وقته وجهده كي يترك بصمة للعالم، وإلا صرفنا أوقاتنا في تبادل رسائل الواتس آب ما بين ’متمسخر‘ على عمنا فيلكس، وبين رسائل تحتوي على صورٍ لعلم على سفح جبل

أو ربما ارتقينا قليلا عن التراسل بالواتس آب وشمرنا عن سواعدنا
.
..
...
وشاركنا الآخرين بصبغ العلم المصنوع من ســــعف النخيـــــل

وعلى الدنيا الســــــــــلام

Thursday, December 15, 2011

الشعب يريد تغيير النظام، ولكن...


دعني أوضح قبل أن أدخل في مضمون المقال أنني من كبار المنتقدين، خاصة في السياسات الحكومية (مع أنني لا أحب السياسة ولا أفقه بعض مصطلحاتها) والمشاريع العملاقة التي تصاحبها أرقام خيالية وتزيين مصابيح الإنارة في الشوارع العامة ومشاريع الصرف الصحي التي حولت مسقط العامرة إلى مسقط الغابرة وحولت شوارعها إلى محفل مليء بالحفر والمفاجآت...كما أنني أنتقد المبالغ الطائلة التي تستنفذ في بناء مشاريع لا ندري إن كنا سنعيش كي نستدرك عوائدها مثل المبالغ التي كلفت بناء دار الأوبرا بينما الشعب أحوج إلى التدريب والتأهيل والبحث والمعرفة والإنتاج لتوفير فرص عمل حقيقية ليرقى المستوى المعيشي للشعب وترقى الدولة بمنتجاتها.. والكثير غيرها من الانتقادات...
باختصار كاتب هذا المقال كائن انتقـــــــــادي ينظر إلى العالم بنظارة شمسية  "نقليـــــــة"
ولكن بينما أنا في محض أفكاري الانتقادية تذكرت مقولة تقول: "خذوا الحكمة من أفواه الحكماء"، وعزمت فعلا أن آخذ الحكمة من أفواه الحكماء لعلي أجد ضالتي وأفك الشفرة السرية للتغيير الايجابي الذي طالما أردت أن أراه في هذه البقعة النفطية من العالم.. وبالفعل بحثت قليلا عن رأي الحكماء في التغيير وصُدِمت! صُدِمت لأني وجدت أن الكثير من الحكماء قد انتهوا إلى نفس النتيجة...
فها هو ذا سقراط يقول: "دع الذي يريد أن يحرك العالم أن يحرك نفسه أولا"
وهذا غاندي يقول: "ُكُن التغيير الذي تريد أن تراه في العالم"
وها هو تولستوي يسبق غاندي بقوله: "الكل يفكر في تغيير العالم ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه"
وجورج برنارد شو قال: "التقدم مستحيل بدون التغيير، وهؤلاء الذين لا يستطيعون تغيير نمط تفكيرهم، لن يستطيعوا تغيير أي شئ"
يـــــــــــــــاه! وكأنهم اتفقوا جميعا أن الشفرة السرية للتغيير تؤتى من الداخل، ومن ثم تُحدث تأثيرا في الخارج.. قد يميل بعض المنتقدين عن هذا التفكير ويقول ربما أن سقراط استخدم آلة الزمن وانتقل إلى زمن غاندي وتولستوي وجورج برنارد شو وأقنعهم بالحجة الدامغة أن التغيير يأتي من الداخل. وقد يميل الآخرون إلى أن حكماء العصر الحديث درسوا الفلسفة الإغريقية وتأثروا بأفكار سقراط وأمثاله. في كلتا الحالتين فإننا لن نضيع أوقاتنا هدرا في كشف ملابسات ومؤامرات سقراط وأتباعه فهذا ليس هو محور حديثنا. إنما محور حديثنا هو كيف من الممكن لنا أن نستفيد من هذه الحكم والأقوال؟
المشكلة
عندما نمعن النظر إلى حالنا كمجتمع فإننا للأسف ينطبق علينا قول تولستوي، إذ أننا نفكر ونجتهد في تغيير العالم (أو مجتمعنا بالأخص) ولكننا لا نتوقف للحظة كي ننظر إلى أنفسنا، وهل أننا نطبق قول غاندي بأن نكون التغيير الذي لطالما أردنا أن نراه؟
سأطرح هنا بعض المفاهيم التي لطالما انتقدنا غيرنا بها ولكننا للأسف لم نفكر بتغيير ما بأنفسنا...
الوقت
لطالما اشتكينا من اجراءات المعاملات الحكومية وكيف أنهم يتأخرون في انهاء معاملات المواطنين...الخ. وهذا الانتقاد يصدر مني شخصيا ولكن هل فكرنا في يوم من الأيام ماذا سنفعل بوقتنا الذي سنوفره بانهاء المعاملات بسرعة؟ هل لدينا ثقافة الاستفادة من الوقت، أم أننا نضيع أوقاتنا في ما لا يفيد؟ للأسف الشديد نجد بعض الشباب يقضون معظم أوقاتهم في المطاعم لمتابعة مباريات كرة القدم ما بين الدوري الاسباني والانجليزي والايطالي والفرنسي والدوري السعودي واليمني! بمعنى آخر إذا تابع الشخص مباراة واحدة في اليوم فإنه بذلك أضاع ساعة وخمسة وأربعون دقيقة! يعني في السنة (إذا كان بمعدل خمس أيام في الأسبوع) ما يتعدى 400 ساعة ضائعة في مباريات كرة القدم! ذلك ما لا يقل عن شهرين عمل بمعدل ثمان ساعات عمل في اليوم! يعني بالعامية:  "راتب شهريـــــــن"
والأمثلة على هذه كثيرة، كالأوقات الضائعة في المجمعات التجارية ورسائل البلاك بيري (علما بأنني لا أملك جهاز بلاك بيري، ولذلك فإني أملك مطلق الحرية لانتقاد الجهاز!!)، والمقاهي والجلسات وغيرها، وذلك كله من غير غرض أو هدف.. علينا أن نعي أن الوقت هو الشئ الوحيد الذي يُمنح لكل إنسان بالتساوي الى أن تتوفاه المنية، حيث أننا لا ندري متى سينفد ذلك الوقت الذي وهبنا الله إياه. ألا يجب علينا أن نقدر هذه النعمة ونستغلها أفضل استغلال في كل ما هو مفيد الى حين أجلنا؟
ذهبت لانهاء معاملة في الادارة العامة للمرور بالأخص في دائرة فحص المركبات وصدمت عندما دخلت ورأيت المشهد... المكان كان مكتظا بالمراجعين فقررت أن "أضرب لفة" لأحسب عدد المراجعين وما إذا كان أحدهم يستفيد من وقته بقراءة كتاب أو جريدة...الخ، وصدمت أكثر، عندما رأيت أكثر من 200 مراجع (حوالي 80% منهم عمانيين) ولم أجد ولا شخص واحد ممسكا بكتاب كي يستفيد من وقته! تلك 3 ساعات ضائعة على الأقل في الانتظار... قد يعتذر البعض ويقول "ما أحب اقرأ ياخي. تراني أنا والكتاب متزاعلين من أيام الثانوية!" ردي لهذا العذر هو: أن الكثير من الناس لا يحبون القراءة ولكنهم اجتهدوا وألزموا أنفسهم.. وأعرف شخصيا أحدهم وقد قرأ أكثر من 300 كتاب في مجاله مع العلم أنه كان يكره القراءة وظن أن آخر يوم للقراءة كان يوم تخرجه من الثانوية العامة، ولكنه ما لبث أن عاد إلى القراءة كي يتعلم وينجح في مجاله وعوّد نفسه على حب القراءة! ولو كانت القراءة عدوك اللدود، على الأقل حمّل هاتفك النقال يا أخي بمقاطع ومحاضرات دينية أو علمية للاستماع بها في أوقات الفراغ والانتظار بدل التأفف والتشكي من طول الانتظار!
أما إن استمرينا على حالنا وكنا للأسف بأنفسنا لا نقدِّر أوقاتنا ونستثمرها في ما هو مفيد فكيف لنا أن نتوقع من الآخرين أن يقدِّروا أوقاتنا؟
العدل
لطالما طالب الناس بالعدل ولكن أيضا هلا بدأنا بأنفسنا؟
فالوضع جدا مخزي عندما نعامل بعضنا البعض بظلم ابتداءً بالشغالة في المنزل إلى الآخرين في الشارع وذلك بايقاف السيارات في أماكن تحجب الآخرين من المرور وتجاوز الآخرين في أماكن لا يُسمح التجاوز فيها بحجة "أنا مستعجل"، بينما نطالب الحكومة أن تعاملنا بالعدل... بالإضافة إلى ظلمنا لمكان العمل عندما نستخدم سلطتنا لأغراض شخصية سواء كان الموظف وزيرا أو عاملا! تخيل معي عزيزي القارئ أنك تملك مؤسسة صغيرة، فهل ترضى من الموظف الذي عندك أن يستخدم أغراض العمل من طباعة وهاتف وفاكس لأغراض شخصية تتحمل تكلفتها أنت بنفسك كصاحب العمل؟ طبعا لن ترضى بذلك إذ أن التكاليف قد تكون باهضة ولن تستطيع تحملها وقد تؤثر على حساباتك للأرباح.. وبما أن ذلك ينطبق عليك كشخص إذا كنت تمتلك مؤسسة فإن ذلك ينطبق على تعاملك مع مكان عملك سواء كنت في القطاع الخاص أو الحكومي إذ أن كل الذي يستنفذ هو من المال، سواء كان المال العام أو المال الخاص. فكله محاسب وليس لدا أي مسؤول مهما صغرت مسؤولياته أو كبرت، الحق باستخدام هذه الأغراض، وإن كان السبب أن الكل يقوم باستخدام أغراض العمل لأغراض شخصية فإن ذلك ليس مبررا ولا يجعل هذا الفعل صائبا. وقد أفتى من أفتى بحرمة استخدام أغراض العمل لأغراض شخصية، إذ أن البعض عده من السرقة، فهلا راقبنا أنفسنا؟
كما أنه علينا أن نذكر أنفسنا أن مبدأ العدل والإحسان يبدأ بأساس الأخلاق (أو ما يسمى بـ Golden Rule) التي اتفق عليها كونفوشيوس وأفلاطون وبوذا وعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وسلم) وغيرهم من الأنبياء والحكماء ألا وهو "عامل أخاك مثلما تحب أن تُعامل".. إذا أردت الناس أن يعاملوك بعدل فعاملهم بعدل.
فهلا عاملنا عاملة المنزل والجرسون في المطعم وعامل النظافة مثلما نُحِب أن نُعامل؟ بالتقدير والاحترام الذي لطالما طالبنا من رب العمل أن يعاملنا بها؟
وكما أن ما تم ذكره ينطبق على مفهومي الوقت والعدل، فإن المفاهيم الأخرى كالاحترام والتقدير والمساواة والمسؤولية والاخلاص...الخ يجب علينا أن نطبقها على أنفسنا أولا ومن ثم يكون لنا الحق أن نطالب الآخرين بتطبيقها علينا... سواء كأفراد أو جماعات أو مؤسسات.. عندما نصل إلى هذه المرحلة من الوعي أن التغيير يبدأ من الداخل فإننا كأفراد سنرى هذا التطور.. إنما تتطور الدول بفعل القائد ولكن الشعوب دائما وأبدا وجب عليهم أن يكونوا أهلا للتطوير.. فمن السهل جدا انتقاد الآخرين لمشاكلنا الشخصية ولكن النفس تستصعب تقبل الخطأ والاعتراف به وتميل دوما لانتقاد ولوم الآخرين. لذلك لم يكن غريبا أن محمد (صلى الله عليه وسلم) عد جهاد النفس بالجهاد الأكبر.. لأن فك شفرة النفس ومحاسبتها أصعب من محاسبة الآخرين ومحاربة أخطاءهم.
إذا اجتهدنا وطبقنا ما يرنوا إليه الحكماء المذكورين (سقراط وأتباعه) وبالفعل استطعنا أن نحدث تغييرا في الخارج بدءا بأنفسنا فإننا بذلك نكون قد وجدنا ضالتنا وقمنا بالواجب تجاه تطوير بلدنا وتجاه أنفسنا. وإن كانت نظرياتهم فاشلة وهي مجرد أفكار مر عليها الزمن ولا يمكن أن تُطبق في زمن الفيس بوك والتويتر، نكون على الأقل استطعنا أن نحدث تغييرا من الداخل الذي بدوره سيعيننا كأفراد كي نرقى في معاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض وبذلك نكون على الأقل ربحنا نصف المعادلة.
يعني" ربحان وبدون خسارة"
فهلا كنا أهلا للتغيير وبدأنا بأنفسنا؟
انظر الى الأمور التي لطالما أردتها أن تتغير وراجع نفسك ان كنت تقوم بها في حياتك اليومية وفي معاملاتك سواء كانت مع الآخرين (معاملة الآخرين مثلما تحب أن تعامل) أو مع نفسك (تقدير وقتك والعمل بما هو مفيد)، وجاهد نفسك كي تصلح هذه الأمور... عش بوعي واعزم النية أن تراقب نفسك وأفعالك، ولا تُسلِّم نفسك لنفسك بعدم الاعتراف بالخطأ...
ابدأ التغيير من الداخل وسترى النتيجة بإذن الله في الخارج.

ودمتم سالميـــــــــــــــــن

Friday, August 26, 2011

مسؤولية الذات ومسؤولية الآخرين... وأين نحن؟

أود أن ابتدئ بمقولة أعجبتني لهنري دايفيد:
"هناك الآلاف من البشر يقتطعون أغصان الشر بينما أحدهم فقط يقتطع الجذور"،
لإيجاد حلول لمشاكلنا علينا أن نعترف بوجود المشكلة أولا وذلك بتخلينا عن ثقافة لست مخطئا. ومن ثم بعدها نبدأ باقتطاع جذور المشكلة من أساسها ثانيا وألا نكون ضمن الألف الذين وصفهم الأخ هنري بأنهم يقتطعون الأغصان.
قد يتفق معي معظم القراء وقد يختلف معي بعضهم خصوصا المعصومين من الخطأ منهم والذين يعيشون في واقع الخيال الأدبي أن وطننا بأحسن حال وليس هناك أي داعي للتغيير وأنا لا أنكر ذلك حيث أننا بالطبع أفضل حالا من زيمبابوي وكولومبيا! ولكن لا زلنا نفتقر إلى القيم والمبادئ التي ستؤهلنا للتقدم والتطور وعلينا ألا نغض البصر عن هذه السلبيات لو أننا فعلا مخلصين أننا نود التطور والتقدم.
أساس مشكلتنا كمجتمع يعود إلى أسباب كثيرة لعل أهمها هوالسلـــــــــــــــــــوك العام...... والذي سيكون في إطار المسؤولية الذاتية والمسؤولية الاجتماعية في هذا المقال.
لنبدأ على سبيل المثال سلوك عامة الشعب تجاه المتظاهرين السياسيين الذين خرجوا في الشوارع ورفعوا اللافتات بعدة مطالبات (والتي في غالب الأحيان "حقوق" قد اختلط مفهومها ب"مطالب"!)، فبالرغم من تضحية هذه الفئة الصغيرة التي لا تتعدى 1% من المجتمع بحياتهم المهنية، نرى أن غالبية الشعب لا يقف مساندة لهؤلاء المطالبين بحقوق كافة الشعب! وللأسف بل نراهم وقد استُهدِفوا من بقية الشعب بعبارات تندد التظاهر والمطالبة بالحقوق. فترى البعض يلوم المطالبين عندما يتم اعتقالهم بعبارات ضمن سياق "مشكلتهم بصراحة، ما حد قال لهم يطلعوا يتظاهروا" أو "يستاهلوا السجن والضرب"! وهذا اللوم بالذات إنما هو دليل أننا نواجه مشكلة اجتماعية، ألا وهي انعدام المسؤولية الإجتماعية!
ومشكلة انعدام المسؤولية الاجتماعية لدى العرب تجاه السياسيين بالتحديد هو ما وصفه الياباني نوتوهارا في كتابه "العرب من وجهة نظر يابانية" فهذا واقع نعيشه للأسف لا ينبغي علينا أن ننكره وذلك كي نستطيع على الأقل أن نحل المشكلة.
وبسبب انعدام المسؤولية الإجتماعية (تجاه السجناء السياسيين على سبيل المثال) فإن السيناريو غالبا ما يكون كالآتي:
العناصر الفعالة في التظاهرات يتم استهدافهم من قِبل الجهات الأمنية وتتم إحالتهم إلى من  يتمتع بالسلطة لاصدار قرار سجنهم، لإخماد حماسهم المتقد. ونراهم بالفعل وقد أُخمِد حماسهم وتراهم لا يعودون إلى الميادين السياسية. ولكن لماذا نفتقدهم بعد أن يتم اعتقالهم حتى لو كانت فترة احتجازهم فترة وجيزة؟ الإجابة بسيطة وذلك أنهم تيقنوا أن الشعب قد تخلى عنهم بعد اعتقالهم. وأن الشعب لم يكتفي بالتخلي عنهم فقط ولكن تعدى إلى سبّهم وذمّهم كونهم سياسيين طالبوا ببعض الحقوق "لكافة" الشعب! ما لم يتيقنه "السياسي"  قبل اعتقاله هو أنه يعيش في مجتمع يفتقد المسؤولية الإجتماعية، والمجتمع غير المسؤول اجتماعيا لم ولن يساند العناصر الأخرى في المجتمع (حتى لو كانت هذه العناصر هي التي تضحي من أجل مصلحة الجميع)!
وهذا كي نذكر ليس إلا إحدى فوائد مظاهرات ومطالبات عام 2011 
عدد الطلبة المقبولين للبعثات الخارجية والداخلية هذه السنة وصل إلى 28 ألف طالب وطالبة بينما في السنوات الماضية كانت الحكومة تتكفل بحوالي 10 آلاف طالب وطالبة فقط!  قفزة هائلة في عدد المقبولين (180%) والذي تغير بفضل من الله سبحانه ثم بفضل المعتصمين والمتظاهرين التي كانت من ضمن مطالبهم الأساسية التعليم العالي! وأضمن لكل قارئ يقرأ هذا المقال أنه يعرف على الأقل شخص واحد من أقربائه أو جيرانه استفاد من زيادة عدد المقبولين هذه السنة... ذكرت هذا التغيير الإيجابي فقط كي نذكِّر بعضنا بعضا بالتضحية التي قامت بها فئة قليلة وبذلك أفادت شريحة كبيـــــــرة من المجتمع كي يغير بعض الجاحدين فكرهم شيئا قليلا وينظروا إلى هذه الوعكة السياسية بشئ من الإيجابية خاصة إذا كانوا من الذين لم يضحوا ولو بكلمة لمساندة الذين كانوا يبيتون في الشوارع مطالبين بالتعليم العالي وغيرها من المطالب!
بالعودة إلى محور حديثنا، وسبب انعدام المسؤولية الإجتماعية للقلة المضحية في المجتمع علينا أن نرجع إلى أساس المشكلة ألا وهي المسؤولية!
المسؤولية تنقسم إلى عدة مراحل:
1.     مسؤولية الذات
2.     مسؤولية الآخرين في المجتمع من ثم مسؤولية الآخرين في العالم
3.     مسؤولية الحيوانات
4.     مسؤولية البيئة وكوكب الأرض
 ولا يمكن تخطي المرحلة الأولى من المسؤولية إلى المرحلة الثانية إلا عندما يكون السلوك السائد في المجتمع قد تبنى المرحلة الأولى ومن ثم المرحلة الثانية وهكذا. مثال على ذلك مسؤولية البيئة وكوكب الأرض لا يتواجد في مجتمعنا العماني. أقصد بالسلوك السائد وليس مجموعة أفراد تأثروا باختلاطهم مع الغرب ومن ثم اتخذوا مسؤولية حماية البيئة كمسؤولية من مسؤولياتهم. وتوضيحا لهذا المثال إذا حاول أحدنا أن يتكلم عن أهمية عدم استخدام أكياس البلاستيك ومدى ضررها بالبيئة وغيرها فإن مصيره سيكون السخرية من قِبلِ أهله وزملائه. وذلك لأن المجتمع لا يستطيع استيعاب اتخاذ مسؤولية البيئة وجعله السلوك السائد وذلك لأننا لازلنا في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية للأسف الشديد!
الدليل على أننا لا نزال في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية (ألا وهي مرحلة مسؤولية الذات) أننا إلى الآن لا نستطيع تحمُّل تنظيف مخلفاتنا بأنفسنا، والسلوك السائد لا يذم الشخص الذي يرمي بأكياس البلاستيك وزجاجة العصير الفارغة على الأرض بل أن الشخص الذي يقوم بجمع قمامته بنفسه قد يعتبر حالة شاذة عن القاعدة، إن لم يواجه بالسخرية من قِبل زملائه لمشيه 10 أمتار كي يرمي بقمامته في سلة المهملات وترى البعض يعلق على هذا الفعل ب"يالله اوين مسوي عمره نظيف" أو "انزين الهندي مال التنظيف حال مو يدفعوا له راتب"!
والأدلة والأمثلة كثيرة في اللامسؤولية ذكرتها في مقال سابق في هذه المدونة بعنوان اللامسؤولية: أين يكمن الحل...
ولذلك نرى أن السلوك السائد في المجتمع هو عدم اتخاذ مسؤولية الآخرين، إذ أننا لازلنا نعاني ونستصعب اتخاذ مسؤولية أنفسنا، فكيف لنا أن نتخذ مسؤولية الآخرين ومسؤولية الكائنات الأخرى وبالتالي البيئة وكوكب الأرض؟ لا يمكن والمعادلة لا تركب أساساً! إذ أن ذلك مَثَلُهُ كمَثَلِ اطعام المسكين وأنت بنفسك لا تجد ما تأكله! قد يعترض البعض ويقول ولكننا نتخذ مسؤولية الآخرين كمساعدة المحتاجين وغيرها، وردي على كل من يتبنى هذه الأفعال الخيرية أنها وجه من وجوه المسؤولية هو: قيمنا ومبادئنا الإسلامية والثقافية هي المحفز الوحيد لقيامنا بهذه الأعمال الخيرية. فالبعض يقوم بهذه الأعمال ابتغاء مرضاة الله متأثرا بالقيم الإسلامية والبعض الآخر متأثرا بالعادات الثقافية المتأصلة في العرب منذ ما قبل زمن حاتم الطائي، ليس إلا والدليل على ذلك أن قلة هم القائمون بجمع التبرعات وغيرها بينما العامة يتخذون موقف المشاهد أو المتبرع! (قد يزداد عدد المتبرعين في شهر رمضان دون غيره من الشهور وذلك لكسب الأجر متأثرين بالدين الإسلامي ليس إلا).
بينما في الدول الغربية رغم كونهم غير مسلمين وليسوا عربا ولكنهم ينظمون مسيرات سلمية مساندة للفلسطينيين في غزة! وذلك لأنهم قد تخطوا مرحلة المسؤولية الذاتية ومسؤولية الآخرين في مجتمعهم فيبدؤون باتخاذ مسؤولية المنكوبين في الدول الأخرى بالرغم من كونهم أصحاب ديانة وأعراق أخرى. أما نحن فالبرغم أننا نجتهد كي نساعد الصومال وغيرهم من المنكوبين ولله الحمد ولكننا لا نقوم به من باب المسؤولية بالآخرين، إنما من باب فعل الخير بسبب حث ديننا الحنيف لذلك ليس إلا وإلا لماذا لم نسمع بتبرعات ومساعدات للشعب التاهيتي بعد زلزال 2010؟ ولولا ديننا الحنيف أو ثقافتنا العربية التي تحث على الكرم، لكنا من الدول التي لا يُسمع لها همسا في الأعمال الخيرية!
وبسبب تربعنا في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية فلن تجد الشعب يساند المظلوم (وذلك لأن نظرة معظم الشعب أن الظلم مشكلة شخصية وعلى المظلوم أن يحلها بنفسه) و لن تجد الشعب يكترث ما إذا جاء شرطي واعتدى على شخص آخر بغيًا بغير حق، بينما قامت المدن الكبرى في انجلترا في أغسطس 2011 (بالرغم من أنني لا أساند  أعمال الشغب التي قام بها الشعب ومدى تخطيهم للممتلكات العامة والخاصة) ولكنهم قاموا بهذا كله بسبب شخص (سارق) قُتِل من قِبل الشرطة. أما عندنا عندما تقتل الشرطة مواطنا من بني جلدتنا تجد ردة فعل الشعب عامة هو"عدم الاكتراث" وربما القاء اللوم على القتيل بسبب خروجه للتظاهر إلا من رحم ربي! وكأن عقوبة التظاهر القتل! فحياة المواطن عندنا رخيصة ولا تقدر بثمن بينما الغرب يقدرون حياة الإنسان ولو كان سارقا! والشعب في الدول الغربية يتخذ مسؤولية الآخرين، وذلك لأنهم قد تعدوا مرحلة مسؤولية الذات، وأصبحوا يتخذون مسؤولية الحيوانات والنباتات والبيئة! بينما نحن نخطب في مساجدنا أن الله جعل آدم خليفته في الأرض، فأين نحن من هذه الخلافة وهل جال في خاطرنا في يوم من الأيام أن نقلل من تلويث البيئة سواء كان ذلك من رمي القمامة في الأماكن العامة أو عدم اكتراثنا لترك كوكب الأرض أسوا مما كان عليه قبل وصولنا!
أبشّركم أننا كمجتمع سنتطور بإذن الله عندما نغير من سلوكنا ونتيقن أن العيش بمسؤولية هو أحد الحلول الأولية. أما إن عشنا حياتنا اليومية بلا مسؤولية واعتمدنا اعتمادا كليا على الشغالة في المنزل، وعامل النظافة في الشارع، ومالئ البنزين في محطة البنزين، وادعينا أننا نوفر فرص عمل باعتمادنا على الآخرين لخدمتنا فإننا بذلك نعزز العيش بلا مسؤولية والذي بدوره سيبقينا في المرحلة الأولى من مراحل المسؤولية، ألا وهي مرحلة مسؤولية الذات التي سنستصعب تعديها بسلوكنا الحالي. وبذلك فإن الظلم والفساد والفقر سيظل منتشرا ولن يتحرك عامة الشعب لمساندة كل ضحية ومضحي لأننا لازلنا نجاهد تعدي مسؤولية أنفسنا بلا جدوى!
أخيرا وليس آخرا سؤال أطرحه لنفسي ولكل قارئ:
من منا سيظل يقتطع الأغصان مثل ما قال هنري ومن منا سيقوم فعلا باقتطاع جذور المشكلة؟
ودمتم سالميــــــــــــــــن

Saturday, July 16, 2011

ثقافة... لست مخطئاً

يقول كونفوشيوس "الرجل الذي ارتكب خطأً ولم يصححه فإنه يرتكب خطأً آخر!"
إذا قرر الشعب العماني (أو العربي عامة) أن يتفرغ ليوم واحد فقط كي يقوم بجولة تفقدية عن أخطاء الشعب عامة وأخطاء المشاريع الحكومية خاصة فإن الذهول هو الشعور الذي سينتاب كل من له أدنى شعور بالمسؤولية تجاه كوكب الأرض والمخلوقات الأخرى سواءً كانوا من بني الإنس أو الجن!
فمن المضحك المبكي أن ترى شركات إنشاء الصرف الصحي، فقط لأنها قامت بإهداء "مكرمة" إنشاء الصرف الصحي للشعب المتواضع؛ أن تُعطى الحرية المطلقة في إعادة هندسة شوارع مسقط وتحويلها إلى ما هو أشبه بشوارع قندهار! ومن الذي يتحمل عواقب حال الشوارع ما بعد الصرف الصحي، من تصليح إطارات السيارات وغيرها إلا المواطن الفقير الذي من الواجب عليه أن يبدي شكره وتقديره للحكومة التي أكرمت عليه بالصرف الصحي! صحيح أن "حالنا أحسن من غيرنا" وهي مقولة يحب أن يقولها العماني كلما سمع من ينتقد أي شئ في الدولة، وأود أن أؤكد أنني أحمد الله رب العالمين أننا نملك الشوراع والمستشفيات والمدارس في بادئ الأمر ولا أنكر أي من هذا؛ ولكن علينا أن نتسم بشئ من الواقعية ونحاول ايجاد حلول لمشاكل زماننا الحاضر كي نتمكن من التطلع لمستقبل أفضل...
ومن المضحك أيضا عندما تتصل بموظف عمانتل وهو غالبا يحمل فكرة مسبقة عن المتصل وذلك؛ أن الزبون هو المخطئ وأن الشركة دائما على صواب، فلا، ولم، ولن تخطئ الشركة أبداَ فهي معصومة عن الخطأ لأنها كانت ومازالت ملكا للحكومة، ولو كانت ملكية جزئية حاليا... فلا وجود لحكومة عربية تخطئ!
وأخيرا وليس آخرا، الذي يثير الدهشة أنك كلما خاطبت "المسؤول" ونبّهته لخطئٍ ارتكبه أحد موظفيه فإن ردة فعله يكون: بالنظر إليك وكأنك شتمته وتعمدت تشويه سمعته وذلك أن أحد موظفيه يخطئ. وإذا كان الخطأ واضحا وكان المسؤول بفضل من الله تعالى متواضعا؛ فإن رده غالبا ما يكون ضمن سياق الآتي:
"هذا ما كلام" و"هذا أول مرة يصير عندنا" و "أنا ما عندي خبر هذا كله يصيرهنا" وهذه كلها أوجه لعدم الاعتراف بالخطأ.
وعدم الاعتراف بالخطأ ـــ والذي يؤدي حسب مفهوم كونفوشيوس إلى ارتكاب خطأ آخر وذلك لأنك إذا لم تعترف بالخطأ فإنك بطبيعة الحال لن تصححه في بادئ الأمرـــ يعود إلى سببين رئيسيين:
أولا: مؤثر خارجي "فقر ثقافتنا في الوطن العربي المؤدي إلى تخويف كل من يفشل ويخطئ"
أجزم أننا بالرغم من ترفنا كدولة نفطية ولكننا للأسف كأفراد وجماعات مازلنا نفتقر القيم والفكر السليم الذي سيأخذنا إلى مقدمة الدول.
خذ مثالا من وقع الخيال لمُزارع في الدول المتحضرة يحاول زراعة فاكهة مستوردة في أرضية بلاده لأول مرة. وبعد عام من الزراعة وسقي شجرة الفاكهة المستوردة، لاحظ أن الشجرة لم تثمر وذلك لأن أرضية بلاده لا تناسب إثمار هذه الفاكهة! ما نظرة المجتمع لهذا المزارع؟ قد ينتقده البعض لوهلة وقد يشجعه البعض لأنه تعلم شيئا جديدا وقد يطلب منه البعض محاولة زراعة فاكهة أخرى أو عمل دراسة لأسباب الفشل كي ينجح في المرة المقبلة. ولكنه في النهاية يبقى مزارعا عُرف عنه حب الاستكشاف والمحاولة ولن يكون فشله سببا لاستمرارية فشله في جميع مراحل حياته، وسيتناسى المجتمع تلك التجربة السلبية.
اضرب نفس هذا المثال في دولنا، وآخر ما سَيُعرف عن هذا المزارع هو فشله في المحاولة بقيام شئ جديد، وشهرته ستنحصر بفشله فمستقبله مظلم لا محالة وهو مقره ومستودعه إلى أن يتوفاه الأجل، وقد يؤدي فشله إلى الإنتهاء به بعد سنين من البطالة طبعا وعقوبةً لفعلته الشنيعة أن يعمل بوَّاباً في وزارة الفنون التشكيلية!
شتّان بين هذا وذاك، الدول المتحضرة تحث الناس على التجربة ومحاولة الأشياء الجديدة، وكل مخطئ يتعلم من خطئه ويستمر في المحاولة. بينما في الدول المتخلفة المخطئ منبوذ اجتماعيا ولا يُحتمل وجوده إذ أنه كلَّف الدولة الكثير من الأموال التي كان يمكن إنفاقها لتزيين مصابيح الإنارة في أيام العيد!
اضرب مثالا آخر ولكن هذه المرة من الواقع، وهو مثال مُستنبط من الدول المتخلفة (أقصد المتحضرة!) شركة فورتسكيو ميتالس، شركة استرالية لتنقيب المعادن. مدير هذه الشركة وصاحب أكبر شريحة من الأسهم هو الاسترالي أندرو فوريست. قبل أن يمتلك زمام هذه الشركة والتي جعلته أغنى رجل في استراليا عام 2007 كان يعمل مديرا لشركة اناكوندا واُجبِرَ أن يستقيل من منصبه بسبب فشله كقائد لإدارة تلك الشركة  وكان على وشك أن يؤدي إلى افلاسها! ولكن بالرغم أنه عمل مديرا لشركة سابقة وفشل فيها إلا أنه اكتسب الخبرات المناسبة كي يحاول مرة أخرى وأثبت نجاحه في المرة الثانية وصار أغنى أغنياء البلد.
ممكن تتخيلوا إذا كان أندرو عمانيا ماذا سيكون مصيـــــــره الآن؟؟؟
لنتمعن قليلا في ما قاله أعظم فيزيائي عرفته البشرية: اينشتاين
 "إذا لم تفشل، فأنت حتماً لم تقم بشئ جديد"
معقولة اينشتاين يؤمن بالفشل وارتكاب الأخطاء؟ وماذا لو كان اينشتاين عمانيــــــــــــا؟
أسئلة أتركها لمخيلة القارئ كي تعينه للإجابة عنها.
ثانيا: المؤثر الداخلي الِكبَر
لن أعمم على هذه الصفة التي ينظر إليها الكل حتى المتكبر أنها خصلة بذيئة؛ وذلك لأن بعض الناس لا يعترفون بالخطأ خوفا من المحسوبية ليس إلا... وهذه الثقافة (أقصد اللامحسوبية، وليس الكِبر) هي التي غرستها الدولة في الناس وخاصة في موظفي الحكومة حيث أن الموظف الصغير الذي ارتكب خطأ قبل 35 سنة ولو كان خطأ بسيطا فإنه مُحاسب عليه والملفات الغابرة ستُستخرج ليس للنظر إلى خلفيات الموضوع فقط إنما لاستنتاج من هو الموظف الذي أخطأ! وقد يكون للمؤثر الخارجي سببا لعدم اعتراف المخطئ بخطئه ومن ثم تصحيحه. ولكن المؤثر الداخلي له دور كبير في انتشار ثقافة عدم الإعتراف بالخطأ أيضا. بالنظر إلى القرآن ستبدو الإجابة واضحة وجلية في قصة آدم وابليس من سورة الأعراف والرابط بين الاعتراف بالخطأ والكبر يبدو واضحا، إذ يقول الله عز وجل:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {11} قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {12}
عندما سُئل ابليس لماذا عصى أمر الله. كان جوابه "أنا خير منه..."
وماذا كان رد الله سبحانه لإبليس في الآية التالية:
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ{13}
إذاً، الكِبر كان أساس المشكلة والسبب الرئيسي في عدم اعترافه بالخطأ وليس العذر الذي قدّمه ابليس عن الطين والنار وأيهما أخير من الآخر!
وبالنظر إلى آدم (عليه السلام) عندما عصى ربه والحوار الذي دار بينه وبين الله سبحانه سيتبين لنا ردة فعل مخالفة تماما وذلك في الآيتين التاليتين من السورة نفسها: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ{22}
وماذا كان رد آدم عليه السلام وزوجه حواء؟ "قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{23}"
اعترفا بالخطأ مباشرة! ولم يحاول آدم عليه السلام أن يبرر خطأه ويلوم الشيطان أو حواء... الخ. بل وبكل تواضع اعترف بالخطأ وطلب الغفران والرحمة، ولم يرتكب خطأً آخر بعدم ابدائه الإرادة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه!
وبما أننا قد لا نملك السيطرة المطلقة للمؤثر الخارجي ألا وهو ثقافة القاء اللوم وتخويف الناس من ارتكاب الخطأ؛ ولكننا على الأقل نملك السيطرة للمؤثر الداخلي ألا وهو الكِبَر لذا علينا أن نبدأ بأنفسنا ومن ثم نؤثِّر على نطاق الفِكر العام ومحو ثقافة تخويف الناس من التجربة ومحاولة الإستكشاف.
بالعودة إلى محور حديثنا، هل ممكن أن تتخيلوا لو كان كونفوشيوس بيننا اليوم وكان من ضمن العمانيين القائمين بالجولة التفقدية لأخطاء مشاريع الحكومة وغيرها، وكيف سيكون حاله عندما يرى الجميع لا يعترفون بالخطأ وبذلك الكل، حسب مفهومه، يرتكب خطئين على الدوام؟
أظنه كان سيصاب بالاحباط ويتوقف عن الفلسفة و التفكّر كي يبحث عن وظيفة في وزارة التراث القومي والثقافة!!
أو ربما بسبب فطنته وذكائه سيؤسس
"مكتب كونفوشيوس الاستشاري"
"اخطأ وأنت مرتاح، فإننا نضمن تصحيح أخطاءك من دون المساس بسمعتك"
ودمتم سالميـــــــــــــــــــــــن

Thursday, June 30, 2011

اللامسؤولية، أين يكمن الحل، في المنزل أو في المجتمع أو في البيت الأبيض؟


"أول خطوة لحل المشكلة هو الاستدراك والوعي بوجود مشكلة" أرجو التركيز على كلمتي الاستدراك والوعي من العبارة السابقة وليس على كلمتي مشكلة وهو! بدءاً بهذه العبارة أردت أن أوضح فكرة معينة لتنوير العقول وتسهيل تقبل الأفكار المطروحة قبل الدخول في صلب الموضوع. يجب علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا كي نفكر بالحلول للمشاكل التي نواجهها كمجتمع وأفراد أما إن قررنا أن نغض البصر ولا نعترف بوجود مشكلة فللأسف الشديد سنبقى على حالنا ولو بعد 153,560 سنة!

المشكلة التي سأطرحها هي مشكلة اجتماعية نواجهها جميعا بلا استثناء في المجتمع العماني خاصة والمجتمع الخليجي عامة ألا وهي مشكلة اللامسؤولية!
1)      عندما نجد الشعب يخرج للتظاهر في الشارع ومن ضمن مطالبهم "اسقاط الديون" ذلك وجه من وجوه اللامسؤولية (قد يستنكر البعض هذا النقد ولكن بصراحة خلنا واقعيين كيف يمكن لشخص أن يدخل في دوامة الديون بدون أن يعلم حجم مسؤولية أخذ هذا الدين؟)
2)      عندما نجد الموظف الحكومي يطلب من المواطن المراجع "تعال بكرة" فقط لكونه مشغول بلا شئ فذلك وجه من وجوه اللا مسؤولية.
3)      وعندما نجد نفس هذا الموظف الحكومي يغيب عن العمل كل أسبوع مرة  بعذر مرضي (اشتراه من عيادة "عندك دوام، تعال نحن عندنا العلاج"!) والذي غالبا ما يكون اسهال يوم <السبت أو الأربعاء>، وذلك لأن وجبة عشاء يوم الجمعة أو الثلاثاء اقتضت العادة أن تكون دال وبقلاوة وشاي حليب (لست متأكدا أنه يسبب الاسهال وأنا بصراحة "ما مسؤول" إذا لم يتسبب بالإسهال الذي يؤدي إلى استلام عذر طبي!) فذلك أيضا وجه آخر للامسؤولية.
4)      وعندما نرى أحد المواطنين وقد أوقف سيارته في مواقف المعاقين فقط لأنه "مستعجل" للذهاب إلى ستاربكس ،أو ترى السيارة في موقف يغطي مخرج السيارات لأن صاحب السيارة لا يتحمل الجو الحار والمشي لمدة دقيقة ولا يمانع بأن يعطل خلق الله أجمعين كي يوفر هو مشوار مشي 30 ثانية فهذه كلها أوجه من وجوه اللامسؤولية.
5)      وعندما نجد سائق حافلة نقل الطلاب يسوق الحافلة كأنه يسوق نيسان مكسيما فهذا أيضا يعتبر لامسؤولية في زي تنكري (إن استصعب القارئ رؤية هذا الفعل بأنه لا مسؤولية، فأنا أقصد تبِعات سواقة الحافلة بتلك الطريقة وإن لا سمح الله تسبب بحادث سير فالعواقب غالبا ما تكون وخيمة ومن سيُحمَّل مسؤولية الوفيات والعواقب غير "القدر" المظلوم؟)
6)      وأخيرا وليس آخرا عندما نرى الشاب وقد بلغ سن الرشد ومسؤولياته تنحصر حول الدراسة والأكل والاستحمام وفرك الأسنان بمعجون كولجيت! ولكن ببـــــــــــلاش، وذلك للأسف كونه ببلاش فإن ذلك يصنّف تحت صنف اللامسؤولية!

هذه كلها أمثلة نراها في واقعنا اليومي والأمثلة كثيرة سواء كان ذلك في المنزل أو في العمل أو في مواقف سيتي سنتر. ولكي ننظر إلى أساس هذه المشكلة يجب أن ننظر إليها من منظور البيت والمجتمع والحكومة بشكل عام. فإن الحلول التي نراها حاليا لا تعالج المشكلة بشكل جذري إنما توجد حلول سطحية ومؤقتة (مثل مخالفة الشرطة للشخص الذي أوقف سيارته في مكان يمنع فيه الوقوف) وهي حلول لا تغرس في الشخص الشعور بالمسؤولية الذي هو أساس الحل.

أسس المشكلة
المنزل:
 قد يعترض معظم القراء لهذا الواقع (خاصة المتزوجين منهم الذين تعودوا على "تدليع" أطفالهم) وذلك أن مشكلة اللامسؤولية تتأسس في المنزل ويترسخ فكره في المجتمع ويُطبق بإتقان في العمل (في الدوائر الحكومية خاصة). للأسف الشديد فالطفل منذ مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ يعيش بأدنى مراتب المسؤولية (كالتنفس وفرك الأسنان!). يبدأ يومه بأكل طعام الإفطار الذي أعدته "الشغالة" إلا من رحم ربي، وعند الإنتهاء من الأكل لا يتحمل عناء غسل طبقه الذي استخدمه هو في الأكل أو حتى حمل الطبق إلى المغسلة حيث أن"الشغالة موجودة والله وهذي شغلها!". وهكذا دواليك، سواء كان ذلك بترتيب غرفة النوم أو تنظيف ما وسخه الطفل بنفسه مثل سكب العصير على أرضية المطبخ، فالطفل قد ترعرع على أن الشغالة موجودة وشغلها تنظَّف مخلفات ال"هرباب"!
يعني باختصار يكبر الطفل العماني (أو الخليجي) بلامسؤولية فهو يأكل ببلاش ويشرب ببلاش ويدرس ببلاش ويلعب بلاي ستيشن ببلاش ويحصل على تلفون ومعاه رصيد ببلاش ويتخرج من المدرسة ويدخل الكلية ببلاش ويحصل على سيارة ببلاش وهذا عندما يتخرج من الكلية يتزوج ببلاش (على حساب أهله) ويُعقِّب على هذه البلاشات بواحدة كي يكون ختامها مسك أن يسكن في بيت أهله ببــلاااااااش! يعني الشخص الذي عاش مرحلته الحياتية كلها ببلاش وبدون أي أدنى مسؤولية، هل تتوقع منه عندما يصل إلى عمر الثلاثين مثلا أن يصحى من النوم ويقول: من اليوم فصاعدا سأتحمل جميع مسؤولياتي بنفسي!؟ هيهات هيهات، فالإنسان لا يتصرف إلا عندما يكون في الموقف وغالبا ما يحاول أن يسلك الطريق الأيسر، ولو كانت اللامسؤولية هو هذا الطريق فاللامسؤولية دائما سيكون هو الخيار الأول.
وهذا أيضا يعتمد بطريقة أخرى على تأهيل الطفل من الصغر على تحمل المسؤولية، حيث يذكر لي أحد الأصحاب العرب المهاجرين إلى أوروبا، أنه اصطحب ابنه ذو الثمان سنين إلى المدرسة لأول مرة وعندما استقبلتهم مديرة المدرسة توجهت إلى الطفل بسؤال، ولكن كعادتنا نحن العرب (كون الأب هو المتحدث الرسمي للطفل!) رد زميلي على المديرة فنبهته أنها توجهت بالسؤال إلى الطفل وليس إليه، وقالت دعه يرد على السؤال بنفسه كي يتعود على مخاطبة الناس. يعني بلغة الغرب "اعطي الطفل فرصة كي يكبر ويعتمد على نفسه ويتخذ مسؤولية تمثيل شخصيته" أما إذا ظل الأب هو المتحدث الرسمي لإبنه فالنتيجة ستكون رجل اعتمادي على الآخرين! وتوثيقا لهذه الفكرة يحكي لي أحد الأخوة الفرق بين الطفل الغربي والطفل العربي من واقع خبرته بالعمل في محل لبيع الآيس كريم، لاحظ الأخ أنه عندما يأتي الطفل العربي يجد أن الأب غالبا يقوم بوظيفه المتحدث الرسمي لطفله في مهمة شراء الآيس كريم! بينما الطفل الأوروبي أو الغربي عامة، لاحظ زميلي أن الطفل ذو السادسة أو السابعة من عمره يستطيع أن يطلب الذي يريده بنفسه ويُعقِّب حُسن الخدمة ب"ثانك يو". لذلك يكبر هذا الطفل قادرا على أن يعتمد على نفسه، فقد تربى منذ عمر السبع سنين أن يشتري "الآيس كريم" بنفسه بدون أي متحدث رسمي. وبطبيعة الحال عندما يكبر ويصبح رب منزل سيستطيع أن يتحمل جميع مشاغل بيته بدون الإستعانة ببابا وماما لجلب "الشغالة" أو تغيير مصباح دورة المياه!

المجتمع
أما عند النظر إلى انعكاس عدم المسؤولية في المجتمع فمن الواضح أن الطفل نفسه الذي تربى على فكرة أن الشغالة هذي شغلها، يرمي بمخلفاته وقاذوراته في الأماكن العامة منتظرا البطل "صاحب الزي البرتقالي" أن يأتي لينظّف المكان. وهذا قد لا يكون الدافع الوحيد لعدم اتخاذ المسؤولية في المجتمع، حيث أن الفرد قد يكون تربى على مبدأ "المسؤولية" ويحاول قدر المستطاع أن يظهر بقيمه ومبادئه التي تربى عليها في المنزل وأن يعكسها في المجتمع، ولكن للأسف الإنسان كونه كائن اجتماعي ويتأثر بالسلوك المحيط به غالبا ما ينتهي به المطاف إلى تتبع منوال الآخرين وعدم اتخاذ المسؤولية إلا من عاش فيهم بوعي ويقين في قرارة نفسه أن يمضي حياته اليومية بمسؤولية.

الحكومة
أما عند الانتقال إلى جو العمل ونرى أن المدير في الدوائر الحكومية بلا مسؤولية تجاه العمل فإن الموظف بطبيعة الحال سيتبع أسلوب مديره. وقد لا يعي البعض ما هو أساس مشكلة اللامسؤولية في الدوائر الحكومية ولكن أحد هذه الأسباب يعود إلى عدم ثقة المدير بموظفيه (والذي بدوره لا يحصل على الثقة من سعادة معاليه) وعدم تحميل الموظف مسؤولية إتخاذ القرار في العمل وهذا يولد لديه الشعور بالخوف من تحمل المسؤولية. فمعظم أعمال الموظف لا تتم إلا بأخذ موافقة المدير والذي بدوره لا يوافق إلا على الأمور الروتينية اليومية! بينما الأمور التي تتطلب رأي 134 مستشار، فعليه أن يطلب اجتماعا مع سعادة معاليه كي يناقش هذا الموضوع، والذي يكون بخصوص نوع المكيف في مبنى "الحكومة" الجديد!
وإذا استطعنا النظر عبر آلة الزمن إلى المستقبل، فسنلاحظ أن هذا الموظف الذي لم يعتاد تحمل المسؤولية واتخاذ القرار، وقد تقلد مناصب قيادية في الدوائر الحكومية وبطبيعة الحال فإن "مسؤولياته" قد كبرت وعليه أن يتخذ القرارات، ولكن كيف له أن يتصرف إذا لم يتعود تحمل المسؤولية واتخاذ القرار؟ هنا يلجأ إلى ابتكار* الطرق والأساليب لتفادي المسؤولية، (*علما بأن كلمة "ابتكار" كلمة نادرة جدا في الدوائر الحكومية!) فترى صاحب المنصب الكبير لا يتخذ القرار إلا إذا درست جميع الجوانب "السلبية" التي قد تحدث وذلك خوفا من تحمل مسؤولية أي شئ سلبي ولو استغرق اتخاذ القرار شهور وسنوات... وفي بعض الأحيان المشروع لا يُعتمد للموافقة وذلك لأن المشروع أثبت نجاحه في كل دول العالم ما عدا دولة من دول البحر الكاريبي "يعني يمكن يصير لنا نفس اللي صار لهذيك الدولة"! هذا وإن قرر سعادة معاليه وتشجَّع أن يتخذ قرارا لتدشين مشروع مثلا فسيتعمد اخفاء بعض الحقائق غير المهمة مثل متى سينتهي المشروع؟ وذلك خوفا من المحسوبية إذا لم يستطع انهاء المشروع في وقته!

أين يكمن الحل؟
الخبرة هو أفضل مدرب للإنسان!
ابتداء من المنزل يا حبذا لو أن الآباء والأمهات يحمِّلون أبناءهم جزءا من المسؤولية سواء كان ذلك بتنظيف طبقه بعد كل وجبة، أو تنظيف كل ما يوسخه الطفل سواء كان ذلك الآيس كريم على السجاد أو غيره وعدم الإعتماد كليا على "الشغالة". ويا ليت الأب يحمّل ابنه جزءا من مسؤولية التحكم في المال (عن طريق اعطاءهم مصروف شهري وحثهم على البقاء في حدود ذلك المصروف... العمر المناسب= عشر سنوات أو أقل!). وأيضا اعطاء الطفل مسؤولية طلب الأشياء من البائع بنفسه وعدم تطبيق مفهوم المتحدث الرسمي للطفل كي يتعود على الإستقلالية وتركه يخاطب الطبيب أو الممرض أو مدير المدرسة بنفسه إذا تطلب الأمر ذلك حسب الموقف.
أما عن مشكلة "العيش ببلاش" فهذه مشكلة يجب أن تتدخل الدولة فيها وهي ربما عن طريق إيجاد فرص عمل مؤقتة (بمعنى 10 -20 ساعة في الأسبوع)  للشباب الصغار (أعمار 14 وما فوق) كي يعملوا في أيام الإجازة وبعض أيام الدراسة كنوع لتحمل بعض المسؤولية واحترام العمل وتقدير كل ما يأتيهم حاليا ببلاش. فوظيفة الأب حسب اعتقادي تنتهي عند انتهاء الطالب من الدراسة، فعلى الطالب أن يجتهد بنفسه كي يضمن الوظيفة (و إن توظف وما زال يقطن في بيت أهله، عليه أن يتوقف ممارسة "العيش ببلاش" ويبدأ بالمبادرة لتحمل بعض مصاريف المنزل ويتخذها كجزء من مسؤولياته) فالأب يمر بأعبائه وليس من العدل أن يتحمل أعباء أبناءه أيضا. حيث أن ذلك سُيجهد الأب من جانب ويُنتج ابن اعتمادي بلا مسؤولية من جانب آخر (ابن غير قادر على تحمل الحياة الزوجية بمسؤولياتها، ويتفاجأ أنه دخل عش الزوجية من غير تأهيل لتحمل مسؤولية نفسه أولاً فما بالك بتحمل مسؤولية الزوجة وتربية الأبناء؟!)
أما في المجتمع، كوني لست عالم علوم الاجتماع فإني لست "مسؤولا" وسأترك التحليل لبطلنا "صاحب الزي البرتقالي" عندما يفرغ من تنظيف قمامة نعنوع الدلوع!
أما في الحكومة، فعلينا أن نتكاتف لإسقاط النظام! هوِّن على نفسك أيها القارئ والقارئة، لا تتوقف عن القراءة هنا وأتورط! فأنا لا أقصد النظام الحاكم، ولكن نظام "أنا ما مسؤول" وذلك قد يكون عن طريق اعطاء الموظف عبئ تحمل المسؤولية بالتوازن مع اعطائه الصلاحية لاتخاذ القرارات كلاً على حسب منصبه. فهل يعقل أن الموظف الحكومي لا يستطيع اتخاذ قرار شراء قلم حبر جاف أخضر لمديره إلا بالإتصال به واستشارته للتأكد من نوع القلم الذي يفضله (حادثة واقعية!)؟ فيجب على الموظف أن يتعود اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية عمله كي لا نقع في نفس دوامة واقعنا الحالي الذي سينتج أصحاب سعادة يتقنون فن الهروب من المسؤولية وإتقان اللامحسوبية، وإلا فسنبقى على حالنا نتوارث اللامسؤولية جيلا بعد آخر مثلما توارثنا موقع عمان الجغرافي!
قد يتسائل القارئ، وماذا عن البيت الأبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــض؟؟؟؟
ردي هو: الموضوع للأسف ليس له دخل بالبيت الأبيض واستخدمته كعنوان لجذب انتباه القارئ إلى الموضوع ليس إلا!

ودمتم سالميــــــــــن